وأما ما ورد عن السلف والأئمة من اتباع سنته والاقتداء بهديه وسيرته ، فحدثناالشيخ أبو عمر أن موسى بن عبد الرحمن بن أبي تليد الفقيه سماعاً عليه ، قال : حدثناأبو عمر الحافظ ، حدثنا سعيد بن نصر ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، ووهب بن مسرة ، قالا : حدثنا محمد بن وضاح ، حدثنا يحيى بن يحيى ، حدثنا مالك ، عن ابن شهاب ، عن رجل منآل خالد بن أسيد ـ أنه سأل عبد الله بن عمر ، فقال : يا أبا عبد الرحمن ،أنا نجدصلاة الخوف تعالى و صلاة الحضر في القرآن ، ولا نجد صلاة السفر ؟ فقال ابن عمر : يا بن أخي ، إن الله بعث إلينا محمداً ، ولا نعلم شيئاً، فإنما نفعل كما رأيناه يفعل .
-وقال عمر بن عبد العزيز : سن رسول الله ووُلاة الأمر بعده سنناً ، الأخذ بها تصديق بكتاب الله ، واستعمال بطاعة الله ، وقوة على دين الله ،ليس لأحد تغيرها ولا تبديلها ولا النظر في رأي من خالفها ، من اقتدى بها فهو مهتد، ومن انتصر بها منصور ، ومن خالفها واتبع غير سبيل المؤمنين ولاه الله ما تولى وأصلاه جهنم و ساءت مصيراً .
-وقال الحسن بن أبي الحسن : عمل قليل في سنة خير من عمل كثير في بدعة.
-وقال ابن شهاب : بلغنا عن رجال من أهل العلم ، قالوا : الاعتصام بالسنة نجاة
-وكتب عمر بن الخطاب إلى عماله بتعلم السنة والفرائض واللحن ، أي اللغة ، وقال : إن ناساً يجادلوكم يعني بالقرآن ، فخذوهم بالسنن ، فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب الله .
وفي خبره ـ حين صلى بذي الحليفة ركعتين ، فقال : أصنع كما رأيت رسول الله يصنع
-وعن علي ـ حين صلى فقال له عثمان : ترى أني انهي الناس عنه وتفعله ! قال : لم أكن أدع سنة رسول الله لقول أحد من الناس
-وعنه : ألا إني لست بنبي ولا يوحى إلي ، ولكني أعمل بكتاب الله و سنة محمد ما استطعت
-وكان ابن مسعود يقول : القصد في السنة خير من الاجتهاد في البدعة
-وقال ابن عمر : صلاة السفر ركعتان ، من خالف السنة كفر
-وقال أبي بن كعب : عليكم بالسبيل والسنة ، فإنه ما على الأرض من عبد على السبيل والسنة ذكر الله في نفسه ففاضت عيناه من خشية ربه ، فيعذبه الله أبداً ، وما على الأرض من عبد على السبيل والسنة ذكر الله في نفسه فاقشعر جلده من خشية الله إلاكان مثله كمثل شجرة قد يبس ورقها ، فهي كذلك إذا أصابتها ريح شديدة ، فتحات عنها ورقها إلا حط الله خطاياه كما تحات عن الشجرة ورقها ، فإن اقتصاداً في سبيل وسنة خير من اجتهاد في خلاف سبيل وسنة ، وموافقة بدعة ، وانظروا أن يكون عملكم إن كان اجتهاداً واقتصاداً أن يكون على منهاج الأنبياء و سنتهم.
-وكتب بعض عمال عمر بن عبد العزيز إلى عمر بحال بلده ، وكثرة لصوصه ، هل يأخذهم بالظنة أو يحملهم على البينة وما جرت عليه السنة ؟ فكتب إليه عمر : خذهم بالبينة وما جرت عليه السنة ، فإن لم يصلحهم الحق فلا أصلحهم الله .
-وعن عطاء ـ في قوله تعالى : (فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) (النساء : 59 ): أي إلى كتاب الله وسنة رسول الله
وقفة مع ابن كثير في تفسير قوله تعالى :
] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا[(النساء 59)
قال البخاري: حدثنا صدقة بن الفضل, حدثنا حجاج بن محمد الأعور عن ابن جريج, عن يعلى بن مسلم, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} قال: نزلت في عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي إذ بعثه رسول الله في سرية, وهكذا أخرجه بقية الجماعة إلا ابن ماجة من حديث حجاج بن محمد الأعور به. وقال الترمذي: حديث حسن غريب, ولا نعرفه إلا من حديث ابن جريج.
وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش, عن سعد بن عبيدة, عن أبي عبد الرحمن السلمي, عن علي, قال: بعث رسول الله سرية واستعمل عليهم رجلاً من الأنصار, فلما خرجوا وجد عليهم في شيء, قال: فقال لهم: أليس قد أمركم رسول الله أن تطيعوني ؟ قالوا: بلى. قال: اجمعوا لي حطباً, ثم دعا بنار فأضرمها فيه, ثم قال: عزمت عليكم لتدخلنها, قال: فهمّ القوم أن يدخلوها قال: فقال لهم شاب منهم: إنما فررتم إلى رسول الله من النار, فلا تعجلوا حتى تلقوا رسول الله , فإن أمركم أن تدخلوها فادخلوها, قال: فرجعوا إلى رسول الله فأخبروه, فقال لهم «لو دخلتموها ما خرجتم منها أبداً, إنما الطاعة في المعروف», أخرجاه في الصحيحين من حديث الأعمش به.
وقال أبو داود: حدثنا مسدّد, حدثنا يحيى عن عبيد الله, حدثنا نافع عن عبد الله بن عمر عن رسول الله , قال «السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره, ما لم يؤمر بمعصية, فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة» وأخرجاه من حديث يحيى القطان. وعن عبادة بن الصامت قال: «بايعنا رسول الله على السمع والطاعة, في منشطنا ومكرهنا, وعسرنا ويسرنا, وأثرة علينا. وأن لا ننازع الأمر أهله, قال: «إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان», أخرجاه, وفي الحديث الاَخر عن أنس أن رسول الله قال: «اسمعوا وأطيعوا, وإن أمر عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة», رواه البخاري.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أوصاني خليلي أن أسمع وأطيع, وإن كان عبداً حبشياً مُجَدّع الأطراف, رواه مسلم. وعن أم الحصين أنها سمعت رسول الله يخطب في حجة الوداع يقول: «ولو استعمل عليكم عبد يقودكم بكتاب الله, اسمعوا له وأطيعوا» رواه مسلم, وفي لفظ له «عبداً حبشياً مجدوعاً» وقال ابن جرير: حدثني علي بن مسلم الطوسي, حدثنا ابن أبي فديك, حدثني عبد الله بن محمد بن عروة عن هشام بن عروة عن أبي صالح السمان, عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي قال: «سيليكم بعدي ولاة, فيليكم البرّ ببره والفاجر بفجوره, فاسمعوا لهم وأطيعوا في كل ما وافق الحق وصلوا وراءهم فإن أحسنوا فلكم ولهم وإن أساؤوا فلكم وعليهم». وعن أبي هريرة رضي الله عنه. أن رسول الله قال: «كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي, وإنه لا نبي بعدي وسيكون خلفاء فيكثرون» قالوا: يا رسول الله, فما تأمرنا ؟ قال «أوفوا ببيعة الأول فالأول, وأعطوهم حقهم, فإن الله سائلهم عما استرعاهم», أخرجاه.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله : «من رأى من أميره شيئاً فكرهه فليصبر, فإنه ليس أحد يفارق الجماعة شبراً فيموت إلا مات ميتة جاهلية», أخرجاه. وعن ابن عمر أنه سمع رسول الله : يقول « من خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له, ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية» رواه مسلم. وروى مسلم أيضاً عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة, قال: دخلت المسجد فإذا عبد الله بن عمرو بن العاص جالس في ظل الكعبة والناس حوله مجتمعون عليه, فأتيتهم فجلست إليه, فقال: كنا مع رسول الله في سفر فنزلنا منزلاً فمنا من يصلح خباءه, ومنا من ينتضل, ومنا من هو في جشره, إذ نادى منادي رسول الله : الصلاة جامعة, فاجتمعنا إلى رسول الله فقال: «إنه لم يكن نبي من قبلي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم, وينذرهم شر ما يعلمه لهم, وإن أمتكم هذه جعل عافيتها في أولها, وسيصيب آخرها بلاء, وأمور تنكرونها, وتجيء فتن يرفق بعضها بعضاً, وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه مهلكتي, ثم تنكشف وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه هذه, فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة, فلتأته منيته وهو يؤمن با لله واليوم الاَخر, وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه, ومن بايع إماماً فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه, فليطعه إن استطاع, فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الاَخر», قال: فدنوت منه فقلت: أنشدك بالله, آنت سمعت هذا من رسول الله ؟ فأهوى إلى أذنيه وقلبه بيديه, وقال: سمعته أذناي, ووعاه قلبي, فقلت له: هذا ابن عمك معاوية يأمرنا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل, ونقتل أنفسنا, والله تعالى يقول: {يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفكسم إن الله كان بكم رحيماً} قال: فسكت ساعة, ثم قال: أطعه في طاعة الله, واعصه في معصية الله, والأحاديث في هذا كثيرة.[/size]